يقول ابن القيم رحمه الله: (وأثنى عليه ومدحه بتصديقه لمن أخبره من المؤمنين، ومن هذا النوع أيضاً إخبار الصحابة بعضهم بعضهاً) أي: إذا أخبر أحدهم الآخر بشيء عن الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يتلقونه بالقبول، والأمثلة كثيرة على هذا، ولكن المقصود هنا الإيجاز.
فإخبار الصحابة بعضهم بعضاً وكون الواحد منهم يتلقى كلام الآخر وخبره بالقبول ولا يرده ولا يتهمه فيه دليل على قبول خبر الآحاد، فإنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خبرك خبر واحد، لا يفيد العلم حتى يتواتر كما هو كلام المتكلمين وأهل الأهواء والضلال والبدع، أما الصحابة فما قالوه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يقله أيضاً، فلم يرد عن أحد منهم قوله: إن خبرك خبر واحد، ولا بد أن يتواتر، ولا يشكل على ذلك التثبت في المسائل الفقهية القليلة كما سيأتي إن شاء الله.
قال ابن القيم رحمه الله: (وتوقف من توقف منهم حتى عضده آخر منهم لا يدل على رد خبر الواحد لكونه خبر واحد، وإنما كان يستثبت أحياناً نادرةً جداً إذا استخبر، ولم يكن أحد من الصحابة ولا من أهل الإسلام يشكون في ذلك، فإذا توقف بعضهم في كلام سمعه من الآخر وطلب منه التثبت أو شاهداً آخر عليه، فهذا لا يدل على ما ذهب إليه أولئك؛ لأن المتكلمين وأهل الأهواء لا يعتدون بخبر الإثنين ولا الثلاثة) لأن هؤلاء لا زالوا آحاداً عند المتكلمين، فليس فيه دليل لهم، والتثبت إنما كان نادراً، فـ لو جمعنا كل الأحاديث التي فيها التثبت لما زادت عن عشرة أحاديث أو نحو ذلك، فهي مواضع معينة نادرة، ولم يكونوا يردون أو ينكرون أو ينفون إنما يتوقفون لأجل التثبت فيها، لا لمجرد أنها خبر واحد، وإنما لمزيد من التأكد لغرابة المسألة مثلاً، أو لكونها لم تبلغه فيريد أن يعلمها ويبلغها للناس كما أراد عمر رضي الله تعالى عنه، فهناك حكم أخرى غير كون الرد؛ لأن هذا خبر واحد، وهذا نوضحه لاحقاً.
يقول ابن القيم رحمه الله: (فلم يكن أحد من الصحابة ولا أهل الإسلام بعدهم يشكون فيما يخبر به أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ،فبعد أن ذكر خبر الله تبارك وتعالى وخبر النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره، انتقل للكلام عن أخبار الصحابة على سبيل التدرج، فـأبو بكر و عمر و عثمان و علي و عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب و أبو ذر و معاذ بن جبل و عبادة بن الصامت و عبد الله بن عمر وأمثالهم من الصحابة كل هؤلاء لا يشك في خبر نقلوه أو قالوه أو نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.